مقدمة
شكل إحداث المحاكم الإدارية بالمغرب ، بموجب القانون رقم 41.90 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.91.225 بتاريخ في 10 سبتمبر 1993، لبنة أساسية في بناء وتدعيم دولة القانون والمؤسسات ، حيث أعلن المغفور له الملك الراحل الحسن الثاني في خطاب تاريخي بمناسبة إنشاء المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان (المجلس الوطني لحقوق الإنسان حاليا) ، بتاريخ 8 ماي 1990، على أنه :” لا يمكن لهذه البلاد أن تكون دولة قانون إلا إذا جعلنا كل مغربي عنده الوسيلة كي يدافع عن حقوقه كيفما كان خصمه “.
لقد ساهمت المحاكم الإدارية منذ إحداثها قبل حوالي ثلاثون سنة في خلق قضاء متخصص في مراقبة عمل الإدارة وتمكين المواطنين من ضمانات أكبر للدفاع عن حقوقهم بعد أن كانت المحاكم الابتدائية والغرفة الادارية لمحكمة النقض (المجلس الأعلى آنذاك) هي صاحبة الاختصاص في النظر في القضايا ذات الطابع الإداري ، خاصة ما يرتبط منها بدعوى إلغاء القرارات الإدارية بالنسبة لمحكمة النقض. هذا، وقد ساهم الدستور المغربي لسنة 2011 في تعزيز المبادئ المرتبطة بحرية الحقوق والحريات ، وربط المسؤولية بالمحاسبة ، مع الارتقاء بدور السلطة القضائية بمفاهيم الحكامة الجيدة ، والمسؤولية ، وإخضاع جميع أعمال الإدارة للمراقبة القضائية بالإضافة لإمكانية التعويض عن الخطأ القضائي .
هذا الموضوع يطرح الإشكالية القانونية التالية :
إلى اي حد استطاع المشرع المغربي تنظيم المحاكم الإبتدائية الإدارية بالمغرب ؟
للإجابة عن هذه الإشكالية تتفرع عنها الأسئلة التالية :
- ما هو تأليف المحاكم الإبتدائية الإدارية بالمغرب ؟
- ما هي اختصاصات المحاكم الإبتدائية الإدارية بالمغرب ؟
- ما هي المسطرة المتبعة أمام المحاكم الإبتدائية الإدارية بالمغرب ؟
هذه التساؤلات سوف نجيب عنها وفق التصميم التالي :
- المبحث الأول: تطور المحاكم الإدارية و احكامها العامة .
- المطلب الأول : التطور التاريخي للمحاكم الإدارية بالمغرب
- المطلب الثاني : الأحكام العامة .
- المبحث الثاني: اختصاصات المحاكم الإدارية الإبتدائية و الإجراءات المسطرية المتبعة أمامها.
- المطلب الأول : اختصاص المحاكم الإبتدائية الإدارية .
- المطلب الثاني : الإجراءات المسطرية المتبعة أمام المحاكم الإبتدائية الإدارية .
- المبحث الأول : تطور المحاكم الإدارية وأحكامها العامة.
مر النظام القضائي الإداري المغربي بثلاث مراحل أساسية ساهمت بشكل كبير في الوضع الحالي للقضاء الإداري المغربي .
المطلب الأول : التطور التاريخي للمحاكم الإدارية بالمغرب و الإصلاحات التي شهدتها .
الفقرة الأولى : التطور التاريخي للمحاكم الإدارية بالمغرب
- القضاء الإداري قبل فترة الحماية
كان المغرب يعتمد أساسا على قواعد الشريعة الإسلامية و أحكامها في جميع الميادين ، فمن ثم فإن الفقه الإسلامي لم يعرف وجود قانون إداري خاص مستقل و لا حتى منازعات إدارية و الواقع أن هذا النظام لا يعمل على فصل السلط ، أي أن قبل سنة 1912كانت الإدارة المغربية تقوم بوظيفة التشريع و التنفيد معا ، و لم يكن لأحد الحق أن يطعن في تصرفات الإدارة ، و في المقابل كان بإمكان المواطنين الذين أصابهم جور من عمال الدولة ، التظلم أمام أجهزة يمكن اعتبارها إلى حد ما إدارية (المحتسب الأصيل – رجال المظالم – وزير الشكايات) ، إلا أن هذه الفترة انتهت بمجرد دخول المستعمر للمغرب سنة 1912.
- القضاء الإداري أثناء فترة الحماية
بعد دخول المستعمر للمغرب سنة 1912 قام بتغيير النظام السابق الذي كان معمول به ، و قام بوضع أجهزة إدارية قضائية تطبيقا لمعاهدة الحماية التي تتضمن بوضع فرنسا لإصلاحات كثيرة و مختلفة في المجالات الإقتصادية و العسكرية و الإدارية و القضائية هذه الإصلاحات يمكن القول بأنها السبب المباشر لنشأة القضاء الإداري بالمغرب ، من أهم ما جاء في تلك الإصلاحات أن فرنسا لم تقم بالإعتماد على نظامها القضائي و تطبيقه بالمغرب ، و فضلت تطبيق نظام القضاء الموحد مع ازدواجية القانون .
- القضاء الإداري بعد الإستقلال
مباشرة بعد حصول المغرب على استقلاله ، عمل على إدخال إصلاح عميق على نظامه السياسي والقضائي ، وذلك بالعمل على خلق وترسيخ دولة الحق والقانون والتأكيد على حريات الأفراد والسهر على حسن سير الأمور العامة للبلاد، الشيء الذي تجلى في المسار الذي اتبعه المغرب من خلال إنشاء المجلس الوطني الاستشاري وإصدار قانون لتنظيم الحريات العامة … وبالتالي العمل على خلق دولة حديثة بكل مميزاتها وهذا ما تبين من خلال الدساتير المغربية وأولها دستور 1962 .
وبذلك سعى المغرب في مرحلة الاستقلال إلى إدخال إصلاحات على كل المجالات من بينها التنظيم القضائي، وذلك من خلال إحداثه لقوانين جديدة ولأجهزة قضائية جديدة سعيا لخلق دولة القانون مع حفاظه على المنظومة القضائية الموروثة عن فترة الحماية .
الفقرة الثانية : إصلاحات القضاء الإداري بعد الإستقلال
إصلاحات 1957
من بين الإصلاحات التي عرفها المغرب إبان الاستقلال هي إنشاء مؤسسة المجلس الأعلى التي أعلن عنه الملك الراحل محمد الخامس بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.57.223 الصادر بتاريخ 27 شتنبر 1957 ، وأهم غرفة ميزت هذا المجلس الغرفة الإدارية إلا أن هذه الأخيرة ليست بمحكمة مستقلة عن المجلس الأعلى ، وإنما فقط غرفة كياقي الغرف المكونة للمجلس تنتمي للجهاز القضائي الموحد ، لان المشرع سنة 1975 أبقى على مبدأ وحدة المحاكم كما عرفه المغرب منذ 1913. وتعتبر الغرفة الإدارية ليست وحدها المختصة بالنظر في القضايا الإدارية، بل يمكن أن تنظر فيها أي غرفة داخل المجلس الأعلى.
في هذا الصدد يرى الأستاذ عبد القادر باينه أن ” هذه الاختيارات للتأكيد على وحدة القضاء، ولتلافي الإشكاليات التي يمكن أن تنتج عن ازدواجية القضاء، وخاصة قضاء التنازع “
أما الأستاذ محمد مرغيني، فيرى أن الغرفة الإدارية “ هي التي تتولى أساسا مهمة الفصل في القضايا الإدارية، وهي التي لها الحق في تحديد المعنى النهائي لقواعد القانون الإداري في المغرب “[1].
ففي هذه الحقبة أوكل المشرع مجموعة من الاختصاصات للغرفة الإدارية بحيث تنظر في طلبات النقض ضد الأحكام القضائية الصادرة في القضايا الإدارية التي يكون فيها أحد الأشخاص شخصا عموميا، بالإضافة إلى النظر في دعاوى الإلغاء ضد القرارات عن السلطات الإدارية بسبب الشطط في استعمال السلطة ، وبهذا تكون دعوة الإلغاء من بين أهم الإصلاحات والتعديلات المهمة في المجال القضائي الإداري المغربي، خاصة أن المغرب في عهد الحماية لم يكن بمقدور الأفراد رفع دعوى الإلغاء ضد قرارات السلطات الإدارية إلا في حدود ضيقة لأن الإدارة الفرنسية كانت ترى في القضاء الإداري عرقلة أمام تحقيق أهدافها في المغرب ، فجاء الفصل الثامن من ظهير 1913 لينص على أنه يمنع على المحاكم المغربية أن تتخذ كل ما من شأنه أن يعرقل نفاذ قراراتها .
إصلاحات 1965
وبعد إصلاح سنة 1957 سرعان ما أتى إصلاح مغربة وتعريب القضاء بمقتضى القانون الصادر 26 يناير سنة 1965 ، كما تم في نفس السنة تم توحيد مختلف جهات القضاء وذلك بإلغاء تعدد الجهات القضائية بالمغرب من خلال إلغاء المحاكم العصرية والعبرية والشرعية وإحداث جهات قضائية موحدة وهي محاكم السدد ، المحاكم الإقليمية ، محاكم الاستئناف إذ بهذا الحدث استعاد القضاء أصالته وكيانه وهويته، وتخلص من التبعية الفكرية [2].
ولم يقف الأمر عند هذا التعديل، بل كان من الضروري إدخال بعض التعديلات على التنظيم القضائي ، وهذا ما تم بواسطة المرسوم الملكي المؤرخ في 3 يوليوز 1967. ولقد جاء هذا المرسوم بصفة عامة ليكرس القواعد العامة المقررة سابقا في ميدان القضاء الإداري، إذ لم يدخل تعديلات جوهرية على روح الظهير المؤسس للمجلس الأعلى لسنة 1957.
لم يحدث أي تغيير جذري من خلال مرسوم 1967. لذلك راهن المغرب على المزيد من الإصلاحات من اجل تفعيل مبدأ الاستقلالية وتطوير القضاء الإداري ونهوض به فجاء إصلاح 1974.
إصلاح 1974
تعتبر مرحلة 1974 محطة بارزة في مسيرة السياسية التي وضعت على نفسها مهمات الإصلاح القضائي، لكن هذا الإصلاح لسنة 1974 انصب على جوانب غير ذات أهمية في المادة الإدارية، بمعنى آخر أن الإصلاح لم يستهدف إصلاحات جوهرية ، لأن كل ما ميز هذا الأخير هو إدخال بعض التعديلات على التنظيم القضائي ، فضلا عن تبسيط إجراءات التقاضي ، لكن مع الاحتفاظ دائما على الأسلوب الذي نهجه المغرب منذ مدة ، ألا وهو وحدة القضاء وازدواجية القانون ، إذ تميزت فترة 1974 بصدور مجموعة من الظهائر نذكر من بينها ظهير الشريف بمثابة قانون رقم 339-74-1 بتاريخ 15 يوليوز 1974 ، والذي بموجبه تم تحديد اختصاص محاكم الجماعات والمقاطعات – التي حلت محل محاكم السدد ، فانحصر اختصاصها في القضايا المدنية والجنائية ، ولا تختص بأي مجال في المنازعات الإدارية ، وبالتالي تظل المحاكم المختصة بالنظر في القضايا الإدارية هي المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف والمجلس الأعلى إذ بعدما كان اختصاص المحاكم الابتدائية – التي حلت محل محاكم الإقليمية مقصورا على النظر في قضايا محددة الخاصة بالعقود الإدارية ، والأشغال العامة والمسؤولية الإدارية ، فإن اختصاص هذه المحاكم أصبح وفق الفصلين 18 و 19 من قانون المسطرة المدنية المواكب لقانون الإصلاح القضائي لسنة 1974 تختص في كل القضايا الإدارية ، إما كدرجة أولى وآخر درجة ، أو درجة أولى قبل أن تستأنف أمام محاكم الاستئناف[3] .
المطلب الثاني : الاحكام العامة :.
المحاكم الإدارية هي محاكم أحدثت لتتولى النظر في القضايا التي تكون الإدارة أو أحد الأشخاص العمومية طرفا فيها ، وقد ظاهرت نتيجة توافر مجموعة من الأسباب والعوامل سواء منها الداخلية المتمثلة في كبح جماح الإدارة وإرغامها عن طريق الرقابة القضائية بعدم الخروج عن أحكام القانون بإصدار قرارات جائرة أو التهرب من تنفيذ القرارات القضائية وبذلك يمكن تكريس دولة الحق والقانون أو الخارجية التي يمكن إيجازها في استجابة المغرب للحملة الدولية المتعلقة بالمناداة باحترام حقوق الإنسان ، بخلق جهاز قضائي يتكيف مع الشروط التي تفرضها المعاملات الدولية فأنشئت سبع محاكم إدارية كمرحلة أولى بمقتضى القانون رقم 41.90 .
تنظيم المحاكم الإدارية
يخضع القضاة الذين يتولون العمل بالمحاكم الإدارية لنفس النظام الأساسي المطبق على بقية رجال القضاء العادي وفق أحكام قانون 11 نونبر 1974، مع مراعاة خصوصيات المهام المنوطة بقضاة المحاكم الإدارية .
تتكون المحكمة الإدارية طبقا للمادة الثانية من قانون 41.90 من رئيس وقضاة وكتابة ضبط ، يعين رئيس المحكمة الإدارية من بين قضاة المحكمة مفوضا ملكيا أو مفوضين ملكيين للدفاع عن القانون والحق باقتراح من الجمعية العمومية لمدة سنتين .
- رئيس المحكمة
يشترط في رئيس المحكمة الإدارية أن يكون قاضي من الدرجة الأولى على الأقل ، ويعين بمقتضى ظهير ملكي باقتراح من المجلس الأعلى للقضاء ، ويخضع لإشراف ومراقبة الرئيس الأول للمجلس الأعلى ، ويتولى القيام بمهمتين: إدارية وقضائية .
- المهمة الإدارية
يتولى رئيس المحكمة الإدارية مجموعة من المهام أهمها :
- رئاسة الجمعية العمومية للمحكمة الإدارية.
- يترأس لجنة التحقيق.
- الإشراف على جميع المراسلات الواردة على المحكمة ولهذا الغرض يحدث كتابة إدارية تتولى تسجيل جميع هذه المراسلات.
- المهمة القضائية
- تعيينه القاضي أو المستشار المقرر.
- رئاسة جلسات المحكمة الإدارية.
- ممارسة مهمة مقرر في بعض القضايا.
- إصدار الأوامر المبنية على الطلب.
- البث في القضايا الاستعجالية، مع تقيده في ذلك بالاختصاص النوعي والمكاني.
- منح المساعدات القضائية.
- المفوض الملكي
أحدثت مؤسسة المفوض الملكي لتقوم بدور هام في الدفاع عن القانون والحق، وترفع مكانة القضاء الإداري المغربي، وتبتكر قواعد ومبادئ تأخذ بها المحاكم في أحكامها، غير أن القانون لم يحدد اختصاصات هذه المؤسسة، ولم يقيد آراءها وتوجيهاتها ، حيث يعرض هذا المفوض الملكي أراءه المكتوبة والشفهية على هيئة الحكم بكامل الاستقلال .
يعين المفوض الملكي لسنتين قابلة للتجديد من قبل رئيس المحكمة الإدارية باقتراح من الجمعية العمومية ، و بالنظر إلى أهمية دوره كفاعل بالمحاكم الإدارية يراعى في اختياره أن يكون من القضاة دوي التجربة، كما يجوز تكليف بعض قضاة الأحكام في حالة الضرورة للقيام بمهمة المفوض الملكي الرسمي باقتراح من الجمعية العمومية، مع الاحتفاظ بمهمة كمقرر، ولا يوجد ما يمنع أن يكون المفوض الملكي قاضيا مقررا في بعض القضايا، شريطة ألا يجمع بين صفتين معا في قضية واحدة.
وتجدر الإشارة إلى أن المفوض الملكي لا يحق له الطعن في الحكم الصادر، لأنه ليس طرفا في الدعوى قدوره يكون استشاريا فقط .
- القضاة والمستشارين
يتولى القاضي أو المستشار المقرر، تبعا لدرجته، تجهيز القضايا باتخاذ جميع الإجراءات المسطرية اللازمة ، مع أمر بتبليغ المقال والمذكرات، وإشعار الأطراف بالاختلالات التي يرى بضرورة تصحيحها، والقيام بالمعاينات والأبحاث والخبرات التي يراها ضرورية لسير المسطرة، وذلك طبقا لأحكام الفصول 329 إلى 333 من قانون المسطرة المدنية المحال عليها بمقتضى المادة الرابعة من قانون المحاكم الإدارية، وهو يمسك لهذا الغرض سجلا يتولى بمقتضاه جميع الملفات الرائجة بمكتبه، ومراقبة الإجراءات المتخذة إلى حين صدور حكم فيها.
- كتابة الضبط
تقوم كتابة الضبط بمهام إدارية صرفة، حيث تتلقى المقالات وتسلم عنها وصلا ، يتمثل في نسخة من المقال يوضع عليها خاتم كتابة الضبط وتاريخ الإيداع مع بيان الوثائق المرفقة ، وكذا تلقي طلبات استئناف الأحكام الصادرة عن المحكمة الإدارية التي أصدرت الحكم، وترفعه إلى كتابة الضبط بمحكمة الاستئناف الإدارية داخل أجل 15 يوما من إبداعه لديها ، وتسهر على تنفيذ الأحكام والأوامر الصادرة عن المحكمة الإدارية أو عن رؤسائها وهذا ما أشارت إليه المادة 49 من قانون 41.90 .
لا بد من الإشارة في ختام هذه النقطة ، إلى أنه يجوز تقسيم المحكمة الإدارية إلى عدة أقسام بحسب أنواع القضايا المعروضة عليها. كما أن إصدار الأحكام يتم بطريقة جماعية. فقد نصت المادة الخامسة على أن تعقد المحاكم الإدارية جلساتها وتصدر أحكامها علانية وهي متركبة من ثلاثة قضاة يساعدهم كاتب ضبط ……” إن جماعية إصدار الحكم تعد ضمانة أساسية باعتبارها تقي من الانزلاقات الشخصية التي يقود إليها القضاء الفردي .
الإجراءات المتعلقة بمقال الدعوى:
لقد اشترط المشرع أن تكون المسطرة كتابية أمام المحاكم الإدارية، حيث تنص المادة 3 من قانون 90 ـ 41 على أن القضايا ترفع إلى المحكمة الإدارية بمقال مكتوب يوقعه محام مسجل في جدول هيئة من هيئات المحامين بالمغرب، ولقد ارتأى المشرع من خلال هذا الشرط تكريس حقوق الدفاع، ذلك أن مواجهة الإدارة أمام القضاء يستلزم معرفة شاملة للقوانين والضوابط الإدارية، وهذا بالضبط لن يتأتى للمواطن العادي إلا بمؤازرة المحامي وإلا ضاع حقه بمجرد الإخلال بأبسط الإجراءات الشكلية .
والعريضة المرفوعة أمام المحكمة الإدارية يلزم أن تتضمن مجموعة من البيانات والمعلومات المتعلقة بالأطراف سواء تعلق الأمر بالشخص العمومي أو الشخص الطبيعي كالصفة والأسماء العائلية والمهنة والموطن ومحل الإقامة، إلا جانب هذا لابد من أن تتضمن العريضة موضوع الدعوى والوسائل والوقائع وترفق بالمستندات التي ينوي المدعي استعمالها. كما يرفق بالمقال الافتتاحي للدعوى بعدد من النسخ يساوي عدد الخصوم عند تعددهم، وعند إيداع العريضة بكتابة ضبط المحكمة الإدارية، يسلم كاتب الضبط وصلا بذلك يتكون من نسخة منها يوضع عليها الختم وتاريخ الإيداع.
وبعد تسجيل الدعوى يحال ملف القضية من طرف رئيس المحكمة الإدارية إلى قاض مقرر، وإلى المفوض الملكي للدفاع عن القانون ومهمة القاضي المقرر هي القيام بالإجراءات الأولية حيث يصدر أمرا بالتبليغ ويعين تاريخ النظر في القضية وإشعار الأطراف إلى وجوب تقديم المذكرات والمستندات قبل الجلسة.
وإذا كانت القضية غير جاهزة للحكم يمكن إرجاع الملف إلى القاضي المقرر ليتخذ الإجراءات الضرورية .
الإجراءات المتعلقة بجلسات المحكمة الإدارية:
ويعتبر مبدأ علانية الجلسات من المبادئ المعمول بها في معظم الأنظمة القضائية وبمقتضاها تكون الإجراءات التي تقوم بها المحكمة قبل إصدار الحكم علانية وللقاضي من تلقاء نفسه أو بناء على طلب أحد الأطراف أن يأمر بجعلها سرية حفاظا على النظام أو مراعاة للآداب والأخلاق الحميدة( الفصلان 43، 339 من قانون المسطرة المدنية).
و شفوية الجلسات مكملة لعلانية الجلسات ، ولا يقع فيها الاكتفاء بالمناقشة الشفوية بل يجب تقديم وتبادل المذكرات بين الأطراف حتى يتسنى توثيق مختلف الوقائع، وذلك لكون معيار الحضور في رحاب المحاكم الإدارية لا يتطلب الحضور في الجلسة بقدر ما يتطلب الإدلاء بالوثائق المكتوبة، فالمسطرة المتبعة كما سبقت الإشارة هي مسطرة كتابية يكفي فيها وضع مذكرات كتابية لصدور حكم حضوري.
وعندما تنتهي المحكمة من دراسة القضية وتصل إلى نتيجة، فلابد من تلاوة منطوق الحكم شفويا في جلسة علنية في حالة لم تكن الجلسة سرية. وبعد النطق بالحكم لا تستطيع المحكمة التراجع عنه أو تعديله أو تغييره. ولا ينبغي أن يشمل الحكم ما لم يطلب به الخصوم، إعمالا لقاعدة القاضي لا يمكن أن يحكم بأكثر مما يطلب منه.ويقع أصل الحكم من طرف الرئيس والقاضي المقرر وكتابة الضبط، وتصدر الأحكام وتنفذ باسم جلالة الملك.
- المبحث الثاني: اختصاصات المحاكم الإدارية الإبتدائية و الإجراءات المسطرية المتبعة أمامها.
المطلب الأول : اختصاص المحاكم الإبتدائية الإدارية .
ان تناول اختصاص المحاكم الإبتدائية الإدارية يجدر بنا أن نتناوله من حيث الإختصاص النوعي ثم تحديد الإختصاص المحلي .
الاختصاص النوعي هو الذي يمنح للمحكمة النظر في النزاع استنادا إلى نوعه (الفقرة الأولى ) ، أما الاختصاص المحلي أو المكاني ، فهو الذي يعطي للمحكمة صلاحية الفصل في دعوى ما بناء على أساس جغرافي تحقيقا لمصالح الخصوم و لتقريب القضاء من المتقاضين (الفقرة الثانية) .
الفقرة الأولى : الاختصاص النوعي
المواد المنظمة للإختصاص المنظمة بمقتضى قانون 41.90 لم تنسخ في هذا المجال، و للحديث عن الاختصاص النوعي للمحاكم الإبتدائية الإدارية يجب أن نميز بين ثلاثة أنواع من الاختصاصات ثم أن نحدد اختصاصات رئيس المحكمة الإبتدائية الإدارية و مدى ارتباط هذا الإختصاص النوعي بالنظام العام.
- اختصاصات مشتركة بين جميع المحاكم الابتدائيه الإدارية المنصوص عليها في المادة 8 من قانون 41.90
تختص المحاكم الإدارية نوعيا حسب المادة 8 من قانون رقم 90-41 بما يلي :
” البت ابتدائيا في طلبات إلغاء قرارات السلطات الإدارية بسبب تجاوز السلطة و في النزاعات المتعلقة بالعقود الإدارية و دعاوي التعويض عن الأضرار التي تسببها أعمال و نشاطات أشخاص القانون العام ، ما عدا الأضرار التي تسببها في الطريق العام مركبات أيا كان نوعها يملكها شخص من أشخاص القانون العام .
وتختص المحاكم الإدارية كذلك بالنظر في المنازعات الناشئة عن تطبيق النصوص التشريعية و التنظيمية المتعلقة بالمعاشات و منح الوفاة المستحقة للعاملين في مرافق الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العامة و موظفي إدارة مجلس النواب وعن تطبيق النصوص التشريعية و التنظيمية المتعلقة بالانتخابات و الضرائب و نزع الملكية لأجل المنفعة العامة، وبالبت في الدعاوي المتعلقة بالوضعية الفردية للموظفين والعاملين في مرافق الدولة و الجماعات المحلية والمؤسسات العامة، و ذلك كله وفق الشروط المنصوص عليها في هذا القانون .
- اختصاصات منصوص عليها في المادة 11 و التي تعود حصريا للمحكمة الإدارية بالرباط
فهي تعتبر بمثابة استثناء وارد عن القاعدة العامة المذكورة في المادة 8 ، فحسب المادة 11 من القانون 41.90 التي جاء فيها ما يلي : ” تختص محكمة الرباط الإدارية بالنظر في النزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية للأشخاص المعينين بظهير شريف أو مرسوم وبالنزاعات الراجعة إلى اختصاص المحاكم الإدارية التي تنشأ خارج دوائر اختصاص جميع هذه المحاكم.”
من هذين الاستثناءين يتبين أن القواعد المتعلقة بالاختصاص المحلي على مستوى القاعدة والاستثناءات الواردة عليها لا تبقى واجبة التطبيق ودلك لان المشرع استثنى منها ما يتعلق بالإلغاء بسبب تجاوز السلطة إذ العبرة بموطن الإلغاء لا بموطن المدعى عليه واخرج منها أيضا كل النزاعات التي تتعلق بالوضعية الفردية للموظفين المعينين بظهير شريف أو بمرسوم كالولاة والعمال والقواد وكبار الموظفين بالدولة والسفراء…ومن الاستثناءات كذلك النزاعات الراجعة إلى اختصاص المحاكم الإدارية إذا كانت خارجة عن دوائر اختصاص جميع هذه المحاكم إذ لا تكون أية محكمة هي المختصة وحدها بالنظر في مثل هذه النزاعات ولو كان موطن المدعي عليه بدائرة نفوذها .
- اختصاصات منصوص عليها في المادة 9من القانون المحدث للمحاكم الاداريه يرجع فيها حصريا للغرفة الادارية بمحكمة النقض
حيث جاء في المادة 9 ما يلي : ” استثناء من أحكام المادة السابقة تظل محكمة النقض مختصة بالبت ابتدائيا وانتهائيا في طلبات الإلغاء بسبب تجاوز السلطة المتعلقة ب :
*المقررات التنظيمية والفردية الصادرة عن الوزير الأول[4]
*قرارات السلطات الإدارية التي يتعدى نطاق تنفيذها دائرة الإختصاص المحلي لمحكمة إدارية.
- اختصاصات رئيس المحكمة الابتدائية الاداريه
- اختصاصات في المادة الإستعجالية :
بالرجوع إلى المادة 19 من القانون 41.90 المحدث بموجبه المحاكم الإدارية نصت على مايلي :” يختص رئيس المحكمة الإدارية أو من ينيبه عنه بصفته قاضيا للمستعجلات والأوامر القضائية بالنظر في الطلبات الوقتية والتحفظية”.
ومن خلال هذا يتضح أن رئيس المحكمة الإدارية بصفته قاضيا للمستعجلات يبت في القضايا طلبات الأطراف ذات الصبغة الإستعجالية ، والتي يتم تقديمها بواسطة مقالات مستوفية للشروط القانونية، إما لغاية المحافظة على حقوقهوم وصيانتها من كل خطر محدق وحال، أو من أجل إيقاف تنفيذ حكم إداري لوجود صعوبة قانونية أو لإثبات معالم لا يمكن أن تستمر على حالها مع امتداد الزمن، أو ما يسمى بإثبات حال وهو بهذا يمارس مستعجلات وقتية فيستعمل سلطة الملائمة عندما يتفحص الطلب لتكوين قناعته بتوفر شروط الاستعجال المنصوص عليها في الفصل 149 من قانون المسطرة المدنية . فيستجيب للطلب أو أو عدم توفرها فيرفض طلب إصدار الأمر الإستعجالي[5] .
بالرجوع إلى الفصل 19 من القانون 41.90 الذي أسند لرئيس المحكمة مهام قاضي المستعجلات، يتضح أن المشرع لم يشترط في القاضي الذي ينوب عن رئيس المحكمة الإدارية أن يكون من أقدم القضاة كما هو في المحكمة الإبتدائية، وهذا تراجع من المشرع على إسناد مهمة قاضي المستعجلات الأقدم القضاة، لأن العبرة بحجم التكوين لا بعدد سنوات العمل[6] .
- اختصاص في منح المساعدة القضائية :
نصت الفقرة الأخيرة من المادة 3 على يجوز لرئيس المحكمة الإدارية أن يمنح المساعدة القضائية [7] طبقا للمسطرة المعمول بها في هذا المجال”.
كما تجدر الإشارة إلى أن القسم المتخصص في القضاء الإداري المحدث بالمحاكم الإبتدائية بمقتضى قانون التنظيم القضائي الجديد رقم 38.15 يختص دون غيره بالبت في القضايا الإدارية المسندة للمحاكم الإدارية بمقتضى القانون، وفي القضايا الإدارية الأخرى التي تدخل في اختصاص المحاكم الإبتدائية [8].
- علاقة اختصاص النوعي المحاكم الإبتدائية بالنظام العام :
الرجوع إلى أحكام المادة 12 من قانون إحداث المحاكم الإدارية الذي نص على ما يلي :” تعتبر القواعد المتعلقة بالاختصاص النوعي من قبيل النظام العام، والأطراف أن يدفعوا بعدم الاختصاص النوعي في جميع مراحل إجراءات الدعوى، وعلى الجهة القضائية المعروضة عليها القضية أن تثيره تلقائيا. “
وبالتالي فإن المشرع حسم الأمر وجعل قواعد الاختصاص النوعي من صميم النظام العام يحق الدفع به في جميع مراحل الدعوى، كما يحق للمحكمة إثارته من تلقاء نفسها.
وتضيف المادة 13 من نفس القانون إذا أثير دفع بعدم الاختصاص النوعي أمام جهة قضائية عادية أو إدارية وجب عليها أن تبت فيه بحكم مستقل ولا يجوز لها أن تضمه إلى الموضوع…………………..
حمل الملف آخر الصفحة
[1] حميد أبو لاس ، محاضرات في مادة التعليق على القرارت القضائية م.س.ص10.
[2] إدريس قاسمي ، خالد المير – سلسلة التكوين الإداري المحاكم الإدارية ، م.س.ص9.
[3] كريم لحرش سلسلة ألامركزية و الإدارة المحلية ، القضاء الإداري المغربي ، م.س.ص82
[4] (حلت تسمية “رئيس الحكومة” محل تسمية “الوزير الأول” بمقتضى احكام الدستور ، ظهير شريف رقم 1.11.91 بتنفيذ نص الدستور ، صادر في 27 من شعبان 1432 (29 يوليو 2011) ، ( الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر الصادرة بتاريخ (28 شعبان 1432) 30 يوليو 2011
[5] ابراهيم العمري -عبلا لن اعرمو ” الوجيز في التنظيم القضائي المغربي ” الطبعة الأولى 2023 ص 123
[6] ابراهيم العمري -عبلا لن اعرمو ، مرجع سابق ، ص 124
[7] انظر مرسوم ملكي رقم 514-65 بتاريخ 17 رجب 1386 بمثابة قانون يتعلق بالمساعدة الفضائية و الجريدة الرسمية عدد 2820 بتاريخ 3 شعبان 1386 (16) نونبر 1966، ص 12379 كما تم تغييره بمقتضى المادة 15 من الظهير الشريف رقم 1.92.280 الصادر في 4 رجب 1413 ) 29 ديسمبر (1992) المعتبر بمثابة قانون المالية لسنة 1993 الجريدة الرسمية عدد 4183 بتاريخ 5 رجب 1413 30 ديسمبر 1. 1992م
[8] انظر المادة 56 من قانون التنظيم القضائي 38.15